دروس مباشرة

 

تابعوا دورة الحصون الخمسة مباشرة على إذاعة صوت الإيمان

كل يوم جمعة الساعة 9.20 مساءاً

للإستماع للإذاعة




هكذا فليكن الحفظ

 الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه وأزواجه الصالحات ، والذى نهانا عن المنكرات ودلنا على فعل الخيرات وعمل الصالحات ، وأرشدنا إلى حفظ القرآن ؛ أعلى الصالحات ، فتسابق فى حفظه وإتقانه والعمل به الصالحون منا والصالحات ، وبعد:
إخواننا الصالحون.. أخواتنا الصالحات

من حين لآخر يحتاج الواحد منا لأن تقوى همته ، ويستعيد نشاطه فى حفظ القرآن والإقبال على مراجعته والإكثار من قراءته والاستماع إليه وكل مفردات الحفظ المتين الراسخ المتميز ، لا سيما ونحن نعيش – غالبا – بين أناس لا يقدرون حفظ القرآن حق قدره ، ولا يدركون قيمته ، ومن ثَّم فهم فى غفلة معرضون ، لاهون لاعبون ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقد أجمع العقلاء من هذه الأمة أن النفس لا تنشط إلا برؤية النماذج المشرقة فى سماء علو الهمة ، لذا ساق لنا المتقدمون نماذج رائعة من أنفسهم وعن غيرهم ، فى كتبهم وكلامهم ، ما يعده نحن "المتأخرون" ضربا من الخيال ، أو نوعا من مبالغات الكلام.

ولا ريب أن رؤية هذه النماذج يبعث فى النفس نشاطا عجيبا ويمنحها قوة هائلة ، لذا حرص السلف وهم الحريصون على فعل الخيرا ت على تتبع أخبار أئمة الاجتهاد فى زمانهم ويتقصون عن عباداتهم وأحوالهم .

ألا تذكر هذا النفر من الصحابة – أعلى الناس همة بعد نبيهم – يأتون بيوت النبى صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته وقيامه وصيامه؟

بل قد تذكر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل من أهل الجنة يدخل عليهم ، فحرص عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما على أن يتتبع أحوال هذا الرجل مع ربه ، الأمر الذى جعل النبى صلى الله عليه وسلم يشهد له بالجنة .

وبالجملة ، فإن مراقبة أحوال صالحى هذه الأمة من الأهمية بمكان.

وقد ألف علماء السلف موسوعات ضخمة تضم طائفة كثيرة من أخبار أصحاب الهمم العالية فى العبادة والجهاد وطلب العلم وحفظ القرآن منها :

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبى نعيم الأصبهانى ، وقد اختصره الإمام ابن الجوزى فى كتابه الماتع : صفة الصفوة .

وموسوعة الإمام الذهبى رحمه الله : سير أعلام النبلاء ، وكتاب شيخنا عالى الهمة ، الدكتور محمد إسماعيل المقدم : علو الهمة ، ولن يفوتنى أن أدلك على الموسوعة العجيبة للشيخ العجيب فى همته، الدكتور : سيد حسين العفانى ، الموسومة بـ ( صلاح الأمة فى علو الهمة).

وبالطبع ، أنت تعرف أن الشيطان لن يتركك وحدك على هذا الصراط المستقيم ، بل سيقعد لك فيه معترضا ، يحول بينك وبين الانتفاع بهذه النماذج ، ولعلك تسمع صوته الخبيث وهو يقول لك :

هؤلاء الصحابة ... أنى لك بهم؟! ، فإن قلت له : إذن ننظر فى سير التابعين ؟

قال لك : هؤلاء كانوا يعيشون عصرا غير الذى تعيش فيه ، أنت الآن فى تعيش فى عصر النت وتغدو وتروح إلى الكلية

فإن قلت له ، فما بال علاة الهمة فى عصرنا ؟

قال لك : هؤلاء متفرغون لطلب العلم ، ولديهم أوقات فارغة كثيرة، أما أنت فرجل مهم جدا وليس لديك وقت لهذه الأعمال ،

أنت أمامك مهام عظيمة .. أمامك نوم كثير ... حتى تنتقم من الوقت وتقتله قتلا ..

أمامك مكالمات هاتفية هامة جدا تمتد بالساعات الطوال ستغير من حال الأمة "دردشة"

أمامك متابعة المنتديات " الإسلامية " تشاهد مقالات إخوانك ولابد أن تشارك برأيك وتقول " موضوع رائع ، سلمت يداك ، ...." وتحقق أكبر عدد من المشاركات لتصبح " العضو الذهبى" الذى نجح نجاحا مبهرا فى تضييع أعظم الأمانات : العمر

أمامك أيها الرائد العظيم "شات" لابد أن تقوم به مع إخوانك فى البالتوك وغرف الدردشة ، تتناقش فيه معهم وتقوم بتحليل الأحداث ..

أمامك أيها التقى الورع قيام الليل مع المحاولات فى التحدث مع إحدى الفتيات اللائى يردن "الالتزام" ولا بأس من تبادل الضحكات معها حتى لا تكون منفرا لها ولكى تقدم نموذجا مختلفا للملتزم " المتفتح " لأنك مختلف عنهم ؛ فأنت مثقف .. متعلم .. قارئ للأحداث .. فى طريقك إلى الهاوية !

أمامك وردك الهام الذى لا تستطيع أن تقصر فيه ... قراءة الصحف والمجلات السيارة لمتابعة الأخبار والأحداث ؛ لأن المسلم لابد ان يكون مثقفا محيطا بالأحداث الراهنة ، لكن لا يهم أن يكون حافظا لكلام ربه .. انتهى كلام الشيطان لعنه الله .

أردت بهذه المقدمة الطويلة – فى رأيك – ألا يفوتك الانتفاع بهذا الأنموذج الفريد الذى أردت أن أقدمه لك من "واقعنا المعاصر " ، فارعنى سمعك وبصرك وقلبك وجميع جوارحك ، فقلما وقفتُ على نموذج مثل هذا ، والحمد لله الذى جعل بين ظهرانينا همةً مثل هذه الهمة فى حفظ القرآن الكريم .

ولو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت ما قدمت كتاب " الجبال الرواسى " إلا بهذا الأنموذج " السلفى" ، ولكن إذا يسر الله لى وشرعتُ فى كتاب " سير أعلام الحفاظ " لوضعت هذا الأنموذج فى أوله وذكرته فى أسباب تأليف الكتاب!

هذا الأنموذج لامرأة تعيش فى عصرنا .. عصر النت .. عصر الشات والمحادثات والفضائيات ولكنها فى منأى عن هذه المهاترات وتضييع الأوقات.

قد تقول أنها لا تجيد هذا ولا تحسنه ، أقول لك : عدت إلى ما حذرتك منه فى كلماتى الأولى ، وهو أنك تخلق لنفسك أعذارا فيفوتك الانتفاع ، لكنها بحول الله وقوته على خير فى علمها الشرعى والدنيوى وبلغت فى الثانى المرتبة القصوى ، فهى تخرجت فى أعلى كليات القمة فى مجالها مما ينبئ عن مستوى ثقافى راقٍ.

وعندما أحدثك عن أم لخمسة أبناء أكبرهم لمَّا يبلغ رشده ، وأصغرهم يحتاج لأمه أكثر ما تحتاج أنت للهواء ، تدرك أنى أحدثك عن امرأة " مشغولة جدا" ، قد تتنفس هى الصعداء وتذوق طعم النعيم عندما تظفر بساعات قليلة ترى فيها النوم الذى طالما تحدث الناس عن حلاوته " الفائتة".

كان يمكن لهذه المرأة أن تستجيب لمطالب النفس المشروعة وتخلد إلى النوم ... تقتصر على تربية أبنائها ليخرج بعد ذلك الأبناء – لا سيما الإناث – صورة مكررة لا يهتمون إلا بالتربية الغذائية واستذكار الدروس اليومية ، وتطوى صفحات حياتهم كما طوت أمهم من قبل.

ولكن أنَّى لامرأة ناطحت بهمتها السماء أن تقعد مع القاعدات ؟!

أنى لامرأة علمت أن لربها عليها حقا ولا توفى به؟!

أنى لامراة مؤمنة سمعت لنداء ربها " وسارعوا" ولا تسارع بتلبيته؟!

أقبلت هذه المرأة على كتاب ربها إقبال العبد المطيع على ربه ، فإذا بها تقرأ أكثر ما تقرأ ، تسمع وهنيئا لها بما سمعت ، تحفظ أحسن وأجود وأتقن وأتم ما تحفظ ، ولا ينبئك مثلُ خبير!

تخبر هى عن نفسها عندما سُئلت عن حالها مع كلام ربنا فتقول: "لا أترك وقتا يذهب سدى أبدا ، فأنا مع القرآن فى كل مكان .. فى كل زمان ... فى كل حال ، أقرأ غيبا من حفظى فى الصلاة ، وأنا أطبخ الطعام ، وأنا أسير فى الطريق دون أن يشعر الناس بى ، وقبل أن أنام أجعل لى لقاءًا أخيرا أختم به اليوم مع القرآن ، بل قد وصل بى الأمر أنى أقرأ القرآن فى نفسى وأنا جالسة مع أبنائى!" انتهى كلام فارسة القرآن.

الله أكبر .. سأقتبس من كلامها جملة واحدة عجيبة " بل قد وصل بى الأمر أنى أقرأ القرآن فى نفسى وأنا جالسة مع أبنائى!

أرأيت أيها الزاعم أنك تفعل كل شيئ من أجل أن تحفظ القرآن ، هذا هو شرود ذهن المرأة وهى فى أمتع لحظات الأم وهى تجلس بين أبنائها الصغار ، ولكنه القرآن الذى إذا ملك القلب صار القلب قلبا ربانيا .. قلبا لله .... قلبا " وقف لله تعالى" .

وليعلم إخواننا " المتزوجون" أن هذه الحافظة المتقنة من ثمرات رعاية زوجها لحق القرآن ، ويرعى رعيته حق رعايتها ، فهو يعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته ، ويعلم أن صلاح الأبناء من صلاح الأم .. صانعة الرجال .. ومربية الأجيال ، ولا قوة إلا بالله .

ولقد وقفت على حفظها بنفسى ، فألفيته حفظا نادرا ... حفظا أنادى به وأدعو إليه نفسى وإخوانى " الجبال الراوسى " ، حفظا يتمتع بالقوة والرصانة والجودة فى الأداء ترتيلا كان أو حدرا .

هذه الفاضلة تحفظ فى الأسبوع الواحد بفضل من الله وحده حزبا كاملا (10 صفحات) كـ (الجبال الراوسى) ، وجميع حفظها على حد سواء ليس له إلا وصف واحد " راسخ" ، ولم لا ؟ وهى كما قدمت من شأنها ما ذكرت ، وهى لا تترك التحضير والاستماع والمراجعة القريبة والمراجعة البعيدة.

قالت: " أدعو الله أن يكون حفظى للقرآن مثل حفظى لسورة يونس"، ومن يعرف الحفظ يدرك قيمة ما قالت.

قالت: " ليس لى علاقة بالنت ، فقط أدخل لمتابعة البريد الخاص وأخرج فورا"

أقول لك : وهذا بيت القصيد ، دع النت وابدأ الحفظ

ولقد سعدت أكثر ما سعدت عندما أعلمتنى أن تطبيقها لطريقة " الحصون الخمسة " هو أحد الأسباب الظاهرة لهذا الحدث فى عالم الحفظ.

أقول :

هكذا فليكن الحفظ يا باغى الحفظ الأمثل

فاللهم بارك لها فى نفسها وحفظها وقيمها وذريتها ، آمين.